عامر نور: توازن، أنماط وإيقاعات
إيمان شقاق
ترجمة: ميسون النجومي التوازن، الأنماط والإيقاعات، هي الكلمات التي طَرَأت على ذهني حينما قمتُ يزيارة معرض الفنان عامر نور والمُعنوَن باسم: (عامر نور: معرض استعادي (1956-الحاضر) سعة الأفق..إيجاز العبارة). المعرض ببيت السركال في مدينة الشارقة بالإمارات العربية المتحدة، يجري من 19 نوفمبر 2016م إلى 12 يناير من العام المقبل 2017م. معرض عامر نور هو أحد ثلاثة معارض خُصِّصت للفنون المرئيّة السودانيّة، كلّها تجري بالتزامن مع بعضها البعض برعاية وتنظيم مؤسسة الشارقة للفنون، وبالتنسيق مع الشيخة حور القاسمي، رئيسة ومديرة مؤسسة الشارقة للفنون، ود. صلاح محمد حسن البروفيسور بمركز الحداثات المقارنة بجامعة كورنيل بنيويورك. أتيحت لي فرصة حضور حفل "ما قبلَ الافتتاح" وشعرتُ بشيءٍ من الجلوة والكَشْف وأنا أتأمل أسلوبه التقليلي في النحت، شعرتُ وكأنّ المكان تغمره الموسيقى، ذلك عبر الأنماط المُتكَرِّرة والتي تَخلِقُ نوعاً من الريتم – الإيقاع المُتكرِّر الهادئ، الساكن لا الجامد؛ ذلك السكون المريح، وكأنه يستغنى عن التفاصيل والإزعاج. يتملّكك إحساسٌ بالنشوة، البراءة، الأسى، الحزن، النعيم، السلام والسكينة، ثمَّ سُرعان ما يتكشَّف لك من خلال منحوتات عامر نور عقله المُنظَّم المُدبِّر، فهمه العميق للمنطق وحبّه للإنسانيّة. تتفاعل المنحوتات مع محيطها وتَغَيُّر الضوء والظلال خلال اليوم. فتبدو وكأن لها إيقاعات مختلفة في الصباح عنها عند المغيب. الأسلوب التقليلي يجعل هذه المنحوتات تبدو وكأنها بسيطة، سهلة ومباشرة، لكنّها أبعد ما تكون عن البساطة؛ فالشكل والكتلة يَعبثان بالمساحة السلبيّة الكامنة بالمنحوتات نفسها والمساحة التي تحتلّها، فتارةً هي تُكَمِّلُها وتُنَاقِض هذه المساحة تارةً أخرى. إن مَنحُوتات عامر نور ببيت السركال تبدو وكأنّها صُنِعَت خصيصاً لهذه المساحة، ومن هنا أحيي القيميين والمُنَسّقين الذين أَوجدوا المكان المُناسب لكلّ مَنحوتة. إلا أنه –في رأيي المتواضع- أرى أنّ منحوتة (الرعي في شَندي 1969م) كانت تستحقّ مساحةً أكبر حَولها لكي يتسنَّى للمتفرِّج استيعابها بشَكلٍ كامل. حظيتُ برؤية أعمال عامر نور لأول مرة في صيف عام 1997 م في دالاس بولاية تكساس، وذلك في كتيب مُعنون باسم (محفورات م.ع خليل ومنحوتات ع. نور)، لكاتبته وليم س.ه، القيمة والمديرة السابقة للمتحف القومي للفنون الإفريقيّة بواشنطون، التابع لمؤسسة سميثونيان العريقة. تعجبني من ضمن منحوتات ع. نور، قطعة (الرعي في شندي)، أرى أنها في صميمها أقرب منها للوحة أو رَسمة باستخدامها لمفهوم "المنظور" عبر الأحجام المختلفة للخراف حَسبَ بُعدها. قمت بزيارة معرض عامر نور أكثر من ثماني مرات منذ افتتاحه الرسمي في 19/11، ولم أستطع أن أختار بعد أيّ منحوتةٍ هي الأفضل. مثلاً تعجبني منحوتة (القَمر – 2016م – فولاذ – 100سم محيط دائري – بتكليف من مؤسسة الشارقة للفنون)، يعجبني أكثر طريقة عرضها فهي تبدو وكأنها على وَشك الدَحرجة، لكنها مع ذلك ساكِنة، فتَكتَشِف لاحقاً كيفَ تَمَّ تَثبِيت هذه الكرة الفولاذيّة الضخمة دون سَندات، وذلك عبرَ شَقٍّ صَغير يَقسِمُ الكرةَ نِصفين يَتَلامسانِ عند نقطّةٍ مُحدّدة. تُعجبني أيضاً منحوتة (عروسة – 1974م – برونز – 102×53×41سم – من مجموعة آن أليزابيث مورسيون)، ....... عمل "الرجوع من النيل" ......... تجد كل أعمال عامر نور مربوطة بخيط التوازن والرِقَّة. أرى أن مُعظم مَنحوتاته مُستقاةٌ من البخسة والقرع، وكذلك شكل الجَبَنَة (وعاء القهوة المصنوع من الفخار الأحمر والمتواجد بشكلٍ شائع في البيوت السودانية). تظهر هذه الملامح بصورة أوضح في أعماله المبكِّرة مثل (واحد على واحد-1966م – برونز – 20×23×25سم – من مجموعة عامر نور)، وكذلك منحوتة (واحد وواحد 1976 – برونز- 97×97×81سم من مجموعة آن أليزابيث مورسيون)، هاتان القطعتان تفكّكان وتعيدان بناء شكل الجَبَنة. منحوتة (توازن – 2016- ألياف زجاجية وخشب-436×244×231سم) ذكّرتني بأرجوحة الميزان أو النوّاسة التي كنّا نلعب بها في الحدائق في طفولتنا. هناك تناقض مُدهش بين عمود الخشب الأصفر والكرة الزرقاء القاتمة، تناقض في الشكل والكتلة تجعلك تستمتع بعملية التوازن وديناميكيّتها وحيويّتها. أما منحوتة (نعمة – 2016م – ألياف زجاجية) فهي تجسيد للنعيم والجلال والتوازن والانفتاح. إن زيارة معرض عامر نور هي رحلة مذهلة بحق، لا تكفي زيارة واحدة لكي يستوعب المرء كلّ هذه الكنوز، بدءً بمنحوتات عامر نور البديعة، مروراً برسوماته المبكِّرة، لوحات مائية من السبعينات، ومطبوعات حجرية، صور فوتوغرافية لأعماله ولرسومه التحضيريّة ومسوّداته. إنّي أناشد كل من بوسعه الحضور أن يزور المعرض إلى جانب المعرضين الآخرين؛ معرض كمالا إسحاق (نساء في مكعّبات كريستال)، ومعرض (مدرسة الخرطوم – نشأة حركة الفن الحديث في السودان 1954-الحاضر)، واللذان سأكتب عنهم قريباً. فتابعوني. نوفمبر 30، 2016م الشارقة - الإمارات |